تعدّ هذه الأرضيّة المُبَلَّطة مثالاً رائعًا للزخرفة المعماريّة المستخدمة في سوريا خلال القرن الثاني عشر، كما يتضح من باحة المسجد الكبير وساحة مدرسة الفردوس بحلب. تنبع تقنيّة التناوب بين الأحجار البيضاء والأحجار الملوّنة من تقنية قديمة كان يستخدمها الحجّارون في البداية في بناء الجدران باللَّونين الأبيض والأسود في المباني البيزنطيّة، ثُمّ استخدموها في الزخرفة الهندسيّة لأرضيات القصور العربيّة النورمانديّة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
أمّا في العالم الإسلامي، فقد استمرّ استعمال هذه التقنيّة في عهد الدولة الزنكية (1127-1183) وتواصل استعمالها لاحقا دون توقف في عهد الأيوبيين (من أواخر القرن الثاني عشر إلى منتصف القرن الثالث عشر)، ثم المماليك (من منتصف القرن الثالث عشر إلى بداية القرن السادس عشر)، والعثمانيين (من بداية القرن السادس عشر إلى القرن العشرين). تُعدُّ هذه التقنية من أبرز تقنيات العمارة السوريّة، وكانت تُستخدم في الأماكن العامّة في بداية الأمر، ثُمَّ في البيوت الخاصّة لتزيين الباحات الداخلية والنوافير والجدران والواجهات الداخلية. اعتمدت الزخارف السورية من نهاية القرن السابع عشر إلى بداية القرن التاسع عشر على تقنيتين متكاملتين هما تقنية "الأبلق" الخاصة بالزخرفة بالأحجار، وتقنية "العجمي" الخاصة بزخرفة الخشب والأسقف.
صممت هذه الأرضيّة المبلَّطة والنافورة بهدف ترطيب الجوّ في فصل الصيف، وهما جزء من ديكور الباحة الداخليّة أو على الأرجح المجلس الكبير لمنزل دمشقيّ يعود إلى القرن الثالث عشر. فقد احتلت الباحات الداخلية مكانة رئيسية في المنازل والقصور خاصة في سوريا وبدرجة أقل في غيرها من البلاد الإسلامية، وكانت الغرف والقاعات امتدادًا لتلك الباحات. وُضعت هذه النافورة في متحف اللُّوفر أبوظبي حيث يغمرها النور المتسرِّب من القُبَّة المعدنيّة في فضاء عصريّ يُذكِّرنا بأهميّة الفنّ المعماريّ في الربط بين الماضي والحاضر.